أخبار

شهادات عن الاعتقالات التعسفية وسلب المواطنين من قبل جبهة النصرة بإدلب

 

يجلس خالد العمر (٤٠عاما) الذي كان أكبر تاجر للمواشي والأغنام في الشمال السوري أمام بسطته المؤلفة من بضعة رؤوس من الأغنام متحسرا عما جرى له بعد أن اختطفه مجهولون وسلبو منه كل مايملك .

إزدادت وتيرة عمليات الخطف والقتل في الآونة الأخيرة في منطقة إدلب والشمال السوري ، فلا يكاد يمر يوم إلا ويفقد فيه أحد الأشخاص أو يعثر على أحد الجثث المرمية هنا وهناك ، حيث تعيش محافظة إدلب حالة من التخبط الأمني والذعر ، وكانت النصرة إحدى أسباب تلك الأجواء سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك حين راح المجرمون واللصوص يتقمصون أسلوبها التعسفي في الخطف  .

“لم أعرف أحد منهم ولا أدري لماذا قاموا بإعتقالي فأنا لم أفعل شيئ” بهذه الكلمات يبدأ خالد قصته ويتابع مفصلا ” في حوالي الساعة العاشرة صباحا توقف أمام منزلي سيارة نوع فان أسود نزل منه ٥ أشخاص ملثمين ومسلحين، لم أكن أدري أنني المقصود هذه المرة فقد تكررت أمامي عدة حوادث مشابهة قامت بها النصرة حين تقوم بإعتقال أحد الأشخاص وتقوده إلى سجونها ومحاكمها ،إلا أن هذه المرة كانت مختلفة تماما ، وكالعادة تم إعتقالي أمام مرأى الناس الذين ظنوا أني مطلوب من النصرة ولكن هذا لم يحدث ،فقد بقيت مخطوف قرابة الشهر أتعرض لكل وسائل التعذيب والضرب، بعدها بدأت المساومة حيث قال لي أحدهم بكم تشتري حياتك ،مررت بلحظات لم أكن أصدق ما سمعت ، الهذا الإنحطاط وصلنا ” يروي خالد وفي عينيه الدموع التي لم يستطع أن يحبسها ويردف” إزدادت الضغوط النفسية والجسدية علي حتى أنهم إتبعوا وسائل أخرى للتعذيب ، فقد كانو يعذبونني بالحرق والكهرباء ، لم يكن أمامي إلا القبول بالمبلغ المذكور الذي كان قدره ١٥٠ ألف دولار أي ما يعادل أكثر من ٩٠ بالمئة مما أملك ، وإلا فلا شك بأنني سألقى على حافة أحدى الطرق جثة هامدة ، كتلك الجثث الذي يعثر عليها عادة بين الحين والآخر.”

وفي المشهد ذاته ومع إختلاف الأهداف قام عناصر النصرة بإعتقال الشاب محمد العلوش (٢٨عاما) من بيته بطريقة تعسفية أو ما تسمى التشويل أو التطبين والتطبين هو مصطلح يطلق على إقتياد شخص ما بالقوة ووضعه في صندوق السيارة وعن تفاصيل الحادثة يحدثنا محمد قائلا ”في قرابة الساعة الرابعة عصرا كسر باب منزلي ودخلوا إلى غرفتي ٥ أشخاص ملثمين وقاموا بإعتقالي ، وفيما بعد علمت أن النصرة فرع العقاب هم من أعتقلوني لأنني إنتقدتهم بإحدى مناشيري على مواقع التواصل الإجتماعي، تعرضت لكل أنواع التعذيب والإهانات ، بقيت قرابة الشهرين ولم يسمحوا لأحد بزيارتي ،مضت علي الأيام وكأنها سنين ،وضعت بمكان مظلم لايرى الشمس ، وأكثر ماكان يخيفني أن تكون نهايتي الإعدام كعشرات الأشخاص الذين أختفوا في غياهب سجون النصرة” ويؤكد العلوش بأنهم لم يطلقوا سراحه إلا بعد أن توسط أهله لدى أحد المقربين لدى النصرة ودفعوا مقابل إطلاق سراحه مبلغا كبيرا من المال .

كثيرا ماكانت تتشابه حوادث الخطف بين عناصر النصرة الملثمون وأعضاء العصابات الملثمون أيضا ،وهو ماجعل الأهالي في حيرة من أمرهم إن كان المجرمون هم النصرة أم غيرهم وفي كل الأحوال ،فهم لا يستطيعون التدخل خوف أن تكون تلك العصابات هي النصرة ذاتها وحينها لن ترحم من يتدخل لمنعها مما تفعله وسيكون مصيره مجهولا في سجونها .

كان المهندس عمران الشايب (٣٢عاما) شاهدا على إحدى حوادث الإعتقال تلك حين داهمت مجموعة من الملثمين منزل جاره مصطفى واقتادوه إلى مكان مجهول بعد أن كسروا أثاث منزله وأشبعوه ضربا أمام مرأى الناس ، ليتبين بعدها أنهم تابعين لجبهة النصرة حيث يقول ” لم أشبه تصرفهم هذا إلا لعناصر النظام حين كانوا يعتقلون أحدهم ، غير أن الإختلاف الوحيد بينهما أن النصرة تضع اللثام وعناصر النظام لا يضعونه” ويتساءل بلهجة غاضبة ”كيف يسمحون لأنفسهم أن يدخلوا بيوتنا بهذه الطرق الهمجية ، أوليس قمنا بهذه الثورة لنتخلص من ممارسات النظام تلك على مدى عقود ” ويستطرق قائلا ”ها قد عدنا إلى تلك الممارسات مع سيطرة النصرة على مناطقنا وكأننا لن ننعم بالحرية يوما ” ويردد المثل الشعبي “إنتقلنا من تحت الدلف لتحت المزراب”  يقولها بإبتسامة ساخرة .

تصرفات النصرة الشائعة سمحت لعدد كبير من اللصوص والمجرمين وقطاع الطرق أن يحذون حذوها بإختطاف الأشخاص دون تكلف ،يكفي أن يضعون اللثام على وجوههم ويحملون السلاح ليهاجموا أي منزل من منازل المدنيين في ظلام الليل أو في وضح النهار ويختطفون إي شخص بكل بساطة ، حتى أمام أعين الجميع دون أن يستطيع أحد أن يحرك ساكنا ،فقد إستطاعت النصرة بتصرفاتها الهمجية وإعتقالاتها التعسفية أن تكم الأفواه فلا يتجرأ أحدهم على التعرض لها أو انتقاد ما تفعله.

أبو محمد الأربعيني لا يزال يتذكر جيدا ما تعرض له جراء تحديه لإحدى قرارات النصرة مع مجموعة من كبار الحي ،حين أرادت النصرة أن تفتح إحدى المعاهد الشرعية في المنطقة وحول الحادثة يقول ”إفتتحت النصرة معهدا شرعيا في منطقتنا الهدف من ورائه جذب اليافعين والأطفال وتجنيدهم إلى  صفوفها ، فأردنا إنقاذ هؤلاء الأطفال مما تدبره لهم ورحنا نطلب منها إلغاء المعهد بحجة أن الطيران الحربي ممكن أن يستهدف الحي بسببه ، فما كان منها إلا أن هاجمتنا ليلا واقتادونا من منازلنا إلى سجن العقاب وهناك تعرضنا لأسوء معاملة ممكن أن يتعرض لها رجال بمكانتنا الإجتماعية وبأعمارنا ،حيث راح بعض عناصرها الذين لا يتجاوزون السابعة عشر من عمرهم ينهالون علينا ضربا ذهابا وإيابا ” يصمت قليلا ليتابع بيأس ” لقد أذلونا بكل الوسائل ثم أطلقوا سراحنا بعد أيام لنكون عبرة لكل من يقف في وجههم أو يعترض على تصرفاتهم وهذا ماحدث فعلا”.

يرى من جهته أبو حسام (35عاما) وهو أحد أعضاء المجلس المحلي أن ما تعيشه إدلب وريفها من إنفلات أمني وحوادث خطف وقتل وسرقة لن تخف وتيرتها مع ممارسات النصرة التي وصفها بلا مسؤولية والمستهترة ، والتي من شأنها أن تشجع أصحاب النفوس الضعيفة على الإستمرار بأعمالهم الإجرامية طالما أن المنطقة تخلو من أي حسيب أو رقيب ”.

هنادي درويش