أخبار

ذوو الاحتياجات الخاصة في سوريا … صراع مع الحرب والإهمال وتحديات الواقع الصعب

يتحدونَ العذابَ بالصبر و يقابلونَ القدرَ بابتسامةِ أمل ، فينسجونَ من مرارةِ أيامهم قصصاً و من إيمانهم عِبراً ، و كثيراً ما يتغلبونَ على عجزهم بإبداعاتٍ و نجاحات نقفُ نحنُ العاجزينَ أمامها ، هؤلاء هم ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يواجهون كلّ يوم تحدياتٍ تجعلهم أبطالاً أكثرَ من كونهم مُحتاجين لرعايةٍ خاصة ، وليس هناك تحدياً أكبر من أن تولدَ كفردٍ من ذوي الهمم في بلدٍ تعاني الفقر و الإهمال و سوء المعيشة و الخدمات.

إنّ واقعَ ذوي الاحتياجات الخاصة في سوريا متردي في الحالة الطبيعية ، لتأتي الحرب و تزيد الطين بلة و تجعلهم أكثر عرضةً للتهميش و الخذلان ، و حتى بعد انتهاء الحرب ما زالت معاناتهم تزداد يوماً بعد يوم بالتوازي مع تدهور الأوضاع الاقتصادية و المعيشية للمواطنين، و من أهم المشاكل التي تواجه الأفراد ذوو الاحتياجات الخاصة هي عدم الرعاية الصحية و ضعف التعليم و سوء التغذية و صعوبة المشاركة في سوق العمل.

و في حديثٍ مع والد أحد الأطفال المصابين بشلل دماغي حدثنا عن الصعوبات التي يواجهها في تأمين احتياجات ابنه قائلاً :” ابني وسيم عمره ١٠ سنوات ، يعاني من شلل دماغي منذ الولادة ، لديه ضعف شديد في السمع و النطق و الحركة و سلس بول، و يحتاج لأدوية و مستلزمات صحية و حليب كل شهر بقيمة ١٠٠ الف ليرة سورية تقريباً ، و أنا أعمل كخياط في محل صغير و في بعض الأحيان أعجز عن شراء الدواء له فتسوء حالته الصحية ، كنت سابقاً قد وضعته في مدرسة( خاصة) لذوي الاحتياجات الخاصة لكن ارتفاع أقساط المدرسة و غلاء المعيشة بشكل عام و غلاء الدواء بشكل خاص أرغمني على إيقافه عن الدوام ، متأملاً أن تُفرج أحوالي في المستقبل و أعيده للتعليم”

شاهد بالفيديو : واقع ذوي الاحتياجات الخاصة في سوريا في يومهم العالمي

العديد من ذووي الاحتياجات الخاصة في سوريا حُرموا من حقهم في التعليم، بسبب الفقر و غياب الوعي لدى بعض الأهل و قلة المدارس الحكومية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة و صعوبة المواصلات، و الكثير منهم لم يُكملوا تعليمهم في الجامعات السورية لعدم تخديم المكان بتسهيلات خاصة بالمعاقين ، وعدم استخدام التكنولوجيا التعليمية المناسبة لهم ، و عدم معرفة الكادر التدريسي بأساليب التواصل معهم ، و هذا ما أكده لنا شادي وهو شابٌ سوريٌ مثقف ، مصابٌ بشلل جزئي سفلي ، إذ حدثنا عن الحواجز التي وقفت بينه و بين حلمه قائلاً:” عمري ٢٧ سنة لدي شلل خُلقي بالأطراف السفلية ، أنهيت تعليمي الثانوي و سجلت أدب عربي في جامعة دمشق ؛ كُنت أطمح للشهادة الجامعية لكنني تركت الجامعة مُجبراً على ذلك ..بسبب صعوبة التنقل و المواصلات و عدم ملائمة المكان لشابٍ مُقعد بمثل وضعي( لكثرة الطوابق و الأدراج)… بعدها خضعت لدورات تدريبية مع أحد المنظمات الدولية و تعلّمت العمل على برنامج الفوتوشوب ، و لكن المشكلة المتبقية لدي هي إيجاد فرصة عمل و التي تكاد تكون معدومة لذوي الاحتياجات الخاصة في هذا البلد.”

لم تنجلِ غبار الحرب عن سوريا إلا و تركت في كل بيتٍ سوري إما فاجعة أو علّة أو مأساة لا تنتسى ، فمن طالته نيران الحرب و لم تسلب منه روحه ، فغالباً قد سلبت عضوا ً من جسده أو أكثر .. أو تركت له عاهةً تشقيه طوال حياته.. وبحسب آخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية حول عدد الإعاقات في الداخل السوري نتيجة الحرب ذكرت أن : ( هناك حوالي ٣ مليون إعاقة خلفتها الحرب في سوريا ، بينهم ١,٥ مليون إعاقة دائمة.

شاهد بالفيديو : ذوي الاحتياجات الخاصة في سوريا يتعلمون الرقص على الكراسي المتحركة

“خسرتُ عيني في الحرب لكن حلمي بأن أكون طبيبة ناجحة أكبر من أي خسارة”

بهذه الكلمات اختصرت الدكتورة ريم شعور الخسارة و الأمل في آن واحد… و هي طالبة جامعية في كلية طب الأسنان فقدت عينها إثر إصابتها بقذيفة هاون منذ ٣ سنوات ووصلت لسنتها الأخيرة متحديةً لكل المعوقات التي تعرضت لها و كما روت لنا :

” كنت في سنتي الجامعية الثالثة عندما تعرضت للإصابة بشظايا قذيفة هاون قلبت حياتي رأساً على عقب…أدت لفقدان البصر في عيني اليسرى و كسور في يدي اليسرى أيضاً …ظننت حينها أن حياتي تدمرت و ما من طريقةٍ لإصلاحها توقفت عن الدوام لمدة سنة، من ثم أدركت أن لا شيء يستطيع الوقوف في وجهي طالما قلبي مازال ينبض بالحياة …فقررت العودة لدوامي الجامعي بعد رحلة علاج شفيت يدي خلالها لكن عيني لن تبصر النور منذ ذاك اليوم …و بدعم من اهلي و زملائي و الهيئة التدريسية نجحت في الوصول إلى سنتي الدراسية الأخيرة بمعدل لا بأس به..”

و ختمت قولها :” هناك بعض المخاوف حيال قدرتي على مزاولة مهنة طب الأسنان بعد التخرج …و بصراحة أخافُ عدم ثقة الناس بي كطبيبة لا سيما أن هذه المهنةٌ تطلب الكثير من الدقة و التركيز . “

شاهد بالفيديو :

في ٣ ديسمبر يصادف اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة و قد اعُتمد هذا اليوم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ، و يُهدف لتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و تمكينهم من المشاركة في تنمية مجتمعاتهم ، و في سوريا على الرغم من وجود العديد من الجمعيات المعنية بدعم ذوي الاحتياجات الخاصة إلا أن هناك الكثير من المستحقين لا تصلهم أي مساعدات رغم تسجيل اسمهم لدى الجمعيات و المخاتير ، و السبب أن بعض هذه الجمعيات تحكمها المحسوبية و الفساد . و لا ننكر الدعم المقدم من المنظمات الدولية و الهيئات الدينية و لكنه لا يلبي احتياجات ذوي الإعاقة بشكلٍ كافي ؛ بسبب كثرة الأعداد و محدودية الفرص و صعوبة الوصول لجميع الحالات .

شاهد بالفيديو : واقع ذوي الاحتياجات الخاصة في مناطق شمال غربي سوريا | لم الشمل

 

“ما ذنبنا نحن الأبرياء أن تصبح حياتنا مثيرة للشفقة ؟ “قال العم هيثم هذا الكلام و في عينيه الكثير من القهر و العتب ، وهو مواطن سوري يبلغ من العمر ٥٤ سنة أصيب منذ ٧ سنوات بقذيفة صاروخية في إحدى المناطق بريف دمشق ، شكا لنا خذلانه من التقصير بحقه كمصاب حرب قائلاً :

“كنت أعملُ في بيع الخضرة للمارة في الطريق حين سقطت قذيفة صاروخية بجانبي ، لأصحى بعدها عاجزاً في إحدى المشافي على صوت الطبيب الذي أخبرني أن الإصابة أدت إلى بتر في قدميي السفليين و شلل نصفي ، وأن من كان حولي من مارةٍ و بائعين أضحوا إما شهداءاً أو مصابين .بقيتُ بعدها في المستشفى ٣ شهور و اضطررت لبيع سيارتي التي استخدمها في بيع الخضرة و التي هي مصدر رزقي الوحيد لأدفع تكاليف علاجي من دواءٍ و عملياتٍ و غيرها..”

و تابع :زوجتي انفصلت عني بعد الإصابة بمدة قصيرة مصطحبةً الأولاد معها ، و تركوني أعيش في هذه الغرفة الصغيرة لوحدي دون مُعيل ولا مصروف ! لكن الله لا يقطع أحد من رحمته…ففي الكثير من الأحيان الجيران و فاعلو الخير يقدمون لي ما يستطيعون من مالٍ و طعام .

شاهد بالفيديو : فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة وفقر وخيمة تزيد معاناة هذه العائلة في شمال سوريا

و أكمل َ:انا لا أحزن على إصابتي فهذا قدري لكن ما يحزنني حقاً أن الدولةَ السورية لم تسأل عني بما أنني أصبحتُ عاجزاً نتيجةَ الحرب .. كما لو أنني فقدت قدماي في حادث سير …و لم أتلقَ أيّ مساعدات حكومية منذ إصابتي لليوم ، حتى أن إحدى الجمعيات الحكومية تواصلت معي عند إخبارهم قصتي عن طريق أحد أصدقائي ، و حين راجعتهم اعتذروا عن المساعدة بحجة تغيير في الإدارة ! لكن بعد سنة من إصابتي قدمت لي إحدى المنظمات الدولية أطرافاً صناعية و حصلت بعدها على كرسيٍّ متحرك كمساعدة من أحد الأطباء المعروف بإنسانيته و الذي يعمل ضمن جمعيةٍ أهلية في المنطقة .”

و ختم قوله متسائلاً :”أنا من دفعت ثمن الحرب جسدي و حياتي بأكملها ، الآن أنتظر المساعدة من الغريب ، أهكذا تكون المكافأة ؟!”

علينا أن نعلمَ في النهاية أنّ كل هذه القصص ليست إلا غيضٌ من فيض ، و أن آلاف الصرخات قد لم نكن سمعناها بعد ، و آلاف الأحلام انتهت دون أن نعرف فيها…

فنحن اليوم بأمسّ الحاجة لأن نضع ذوي الاحتياجات الخاصة بقائمة أولوياتنا و أن نكسر جميع الحواجز التي تطمس هويتهم و تأطر قدراتهم ، و أن نزيل العقبات من دربهم لننهض بواقعهم نحو النور و الأمل

شيراز البني – دمشق – خاص أنا إنسان

التعليقات: 0

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها ب *